كتبت : آية البدري
حفرت على جدران المعابد ودونت على أوراق البردي نقوشاً تروي لنا كيف كانت الحياة قديماً وكيف شيد المصري القديم حضارة عظيمة لطالما أنبهر بها من أطلع عليها
وبالنظر إلى شكل الحياة وتركيبة الشخصية للمصري القديم نجد أن عظمته تنبع من أخلاقه فقط أقرأ وصايا الحكيم بتاح حتب وغيره من حكماء مصر القديمة الذين أثروا الحياة والعقول والضمائر بالحكم والوصايا أطلع أيضاً على فلسفة الحياة للمصريين منذ ألاف السنين ،فكان هناك الثواب والعقاب ،الجنة والنار ،الحرام والحلال ،فأحترام الوالدين من أعظم الفضائل وفي ذلك قال الحكيم آني لأبنه "أطع أمك واحترمها فإن الإله هو الذي عطاها لك لقد حملتك في بطنها حملاً ثقيلاً باءت بعبئه وحدها دون مساعدة وعندما ولدت قامت على خدمتك أم رقيقة لك ثم أرضعتك ثلاث سنوات فتذكر أمك التي والدتك لاتدعها تلومك ووترفع كفها إلى الإله فيسمع شكوها"
وغيرها من أخلاقيات وضعت كالقوانين وتلك بعضاً منها لم ألوث ماء النيل، لم أقتل، لم أسرق، لم أكذب، لم أشتهى زوجة جارى،لم أكن سبباً فى دموع إنسان، لم أكن سبباً فى شقاء حيوان، لم أعذب نباتاً بأن نسيت أن أسقيه ماءً، لم أرفع صوتى على غيرى أثناء الحوار، لم أتعالى على غيرى بسبب علو منصبي".
كانت أخلاقيات وقيم وسلوك وفي الوقت ذاته وصايا تُنقل من الأباء للأبناء ويلزم العمل بها لذلك كان من الطبيعي أن تكون شكل الأسرة مثالي للغاية والمجتمع صالح ومتماسك والدولة ناجحة ومزدهرة فأساس أي دولة متقدمة هو شعب يحمل في أخلاقه وسلوكه الفضيلة والرقي كان هذا قديماً ، فماذا عن عبث اليوم بالفعل أننا نعيش العبث بعينه برغم التطور والتقدم الذي وصلنا إليه فعلى مايبدو أنه ينحصر على الآلات والمكينات والمنشآت وكل ما هو مادي فقط فاليوم يضرب الأبن والديه أو يقتل أحدهما ! بكل برود والعكس يحدث أيضاً ، أباً يتحول لذئب ويغتصب أبنته وتحمل منه سفاحاً ، صغير ينهر شيخ بلغ أرزل العمر ويقدم على ضربه !، زوج يتاجر بزوجته و يعرض شرفه كسلعه رخيصه ، حوادث القتل بذاتها كثرت بشكل مريب ، حالات الطلاق أرتفعت بنسبة كبيرة و أقارب كألأعداء وصلة الرحم منقطعة ،وزوجة تتخلص من زوجها بمساعدة عشيقها دون رحمة ، ومركز أول على العالم في التحرش هكذا أصبحنا
كل ماهو متندي ومبتزل أصبح اليوم عادي ويحدث يومياً بشكل فج .
و لأن الأمر معقد ولا تتضح الأسباب بشكل يمنحنا الفرصة لنصصح ونعيد للمجتمع قيمه وتمسكه وترابطه ، ربما التربية والعقلية التي تربي هي السبب فلو أن كل أب وأم قد أستوعبوا دورهم وقاموا بتربية أبنائهم بشكل سوي وأخرجوا أفراد صالحة للمجتمع لكان الأمر أختلف ، وربما لو قام كل معلم ومعلمة في المدرسة بدوره تجاه تلاميذه وأعلى مش شأن العلم والقيم التي يقدمها وأيقن في ضميره أنه مربي أخر بعد الأب والأم لعرف قيمته وأهميته لمجتمعه ، ومن الممكن أيضاً لو أن الفن قدم أشياء تسمو بالعقل وتحاوره هو فقط دون الغرائز وأصبح راقياً يهذب من النفس ويسمو بها وأن يبتعد عن الإبتذال والمتاجرة بعقول الناس و التسليط على الجوانب السيئة في شخصية وتركيبة الإنسان من شهواته بحجة أنه الواقع وأنه المطلوب وأن تلك هي المصداقية بعينها فلا مصداقية في إثارة الفتن أو الأبتذال ، ربما لو امتنعنا عن منح الموظف رشاوى لتيسير الإجراءات ورفض الموظف تلك الرشوة وقام بعمله بشكل طبيعي بدلاً من أن ننمق الكلمة نجعلها مجرد إكرامية ،ولو منحنا التقدير لمن يستحقه وكفاءنا المجتهد على جهده وكرمنا كل من يقدم شيء مفيد وقيم وأمتنعنا عن تلميع كل ماهو متندي وسطحي وتافه فلا نمنحهم فرصة للظهور ولا نصفق لهم فالأمر محبط جداً لأصحاب العلم والمعرفة والثقافة والمواهب الحقيقة الذين يحملون في عقولهم الدرر التي تستحق كل الفرص .
ربما لو تحقق العدل وقام كل فرد في مجتمعنا بدوره على وجه حق وبدأ بنفسه وتحمل مسؤولياته تجاه مجتمعه وابقا ضميره يقظاً لصلح مجتمعنا وعادت أمجاد حضارتنا وسعدت مصر البهية بأبنائها مرة أخرى .